علّمني العمل في منظمة “كاريتاس” أن أساعد الآخرين من كل قلبي وبرحب الصدر
كهان هو كردي من إيران في الخامسة والثلاثين من العمر – إنه واحد من الشباب المثقفين الذين غادروا وطنهم ، حيث لم يشجعهم الوضع هناك. إن احتمال نشوب صراعات عسكرية جديدة ، والوضع السياسي غير المستقر ، واضطهاد الفنانين والصحفيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان هذا ما يعارض وجهات نظره.
كان كهان يعمل في وطنه صحفيًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان. قبل عشر سنوات قرر مغادرة إيران. وذهب إلى شمال العراق وبقي هناك مدة 7 سنوات. هناك بدأ في مساعدة لاجئي الحرب. وصّله البحث عن حياة أفضل وأكثر كرامة إلى بلغاريا، حيث وجد فيها الأمن والفرصة لتطوير إمكاناته. مر في بلغاريا بمقابلات مرة أخرى وأصبح يدرس حياة الناس ، ولكن هذه المرة كعامل اجتماعي يشتغل في مركز إدماج اللاجئين والمهاجرين “سفيتا آنا” التابع لمنظمة “كاريتاس صوفيا”.
ما نوعية عملك؟
يأتي كل اليوم إلىّ أشخاص يحتاجون إلى محام أو مترجم وإلى زيارة المستشفى أو لأنهم يبحثون عن عمل. نعلمهم أنا وزملائي ما يمكننا القيام به وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة بهم. أشرح ما يحتاجون إلى معرفته إذا كانوا يريدون العمل في بلغاريا. أبلغهم عن دورات اللغة البلغارية المجانية التي تنظمها “كاريتاس صوفيا”. أتحدث معهم عن مهنهم وأسجلها في منظومتنا، ثم أتصل بمختلف الشركات التي تبحث عن موظفين جدد من نفس اختصاصهم.
هل يكون من السهل أو من الصعب على اللاجئون أن يعثروا على العمل ؟
في الحالات التي لا يتمتع فيها الأشخاص بوضع اللاجئ ، تنشأ الصعوبات. العديد من الشركات لا ترغب في توظيفهم. وفي الأحيان الأخرى حتى ولويملكون الوثائق الرسمية لا توظفهم هذه الشركات لأنها لا تريد تشغيل اللاجئين.
منذ بعض الوقت أجرينا في مركز “سفيتا آنا ” بورصة العمل للاجئين. قدمنا لأصحاب العمل اللاجئين الذين يبحثون عن عمل، كما أجرينا المقابلات معهم. وقد اتضح أن واحدة من المشاكل التي يواجهها العديد من اللاجئين الذين تم اصدار باسمهم ما يسمى بجواز السفر الأخضر – هي أنه مع هذا المستند ليس من حقهم فتح حساب مصرفي. ومن ثم فإن أرباب العمل يطلبون منهم، حتى ولو يتم توظيفهم ، تقديم بيانات عن حساباتهم المصرفية لتحويل رواتبهم فيها. ولكن وفي نفس الوقت ليس لديهم الحق في فتح الحساب وهذا عائق أمام توظيفهم أو استبقائهم في الوظيفة. ومعظم الشركات مترددة في دفع الرواتب نقداً. لا يوجد حتى الآن حل لهذه المشكلة.
في الوقت نفسه هناك العديد من الوظائف الشاغرة في بلغاريا ولكن الحكومة ليس لديها برنامج متطور من شأنه أن يخلق فرصاً للاقتصاد البلغاري ، مما يمنح فرصة للاجئين للانضمام إلى سوق العمل.
كيف يمضي يوم عملك؟
يبدأ دوامي في 30، 8 صباحاً. وأقوم أولاً بمراجعة المعلومات عن الباحثين عن العمل الين تم تسجليهم في منظومة “كاريتاس”. أتصل هاتفياً بالناس الذين يطلبون المساعدة ، وأنظم اللقاءات والمقابلات مع أصحاب العمل. ويأتي إلى مكتب المنظمة أجانب يحتاجون إلى مترجم من اللغات التي أجيدها وهي الفارسية والكردية.
وبعد انهاء الدوام أحاول القراءة باللغة البلغارية لتحسين معرفتي بها. أجد صعوبات في دراسة هذه اللغة لكني أبذل جهودي. في كثير من الأحيان الأطفال في مركز اللاجئين الذي أعيش فيه يدعونني لألعب كرة القدم معهم. إنهم يسمونني “كاكا” ، و تعني هذه الكلمة باللغة الفارسية “الأخ الأكبر”. فيقولون لي: ” كاكا ، تعال لنلعب كرة القدم” وبالطبع ألبي طلبهم هذا رغم إنني تعبان لكنه أشعر بسرور. لدي دائما وقت لأعاشرهم لأنني أحبهم كثيراً.
ما هو أصعب شيء في عملك؟
إن أصعب الشيء بالنسبة لي هو أن أشاهد بأنني لا أستطيع تقديم المساعدة. وفي بعض الأحيان عليك إخبار الأشخاص بأنهم لا يستطيعون إيجاد منزل والبدء في العمل إذا لم يمنح لهم وضع اللاجئ. أشرح لهم كل الأمور بالتفصيل ويجب أن أخبرهم بشكل صريح ما هو الواقع. نعم ! أستطيع أن أمنحهم الأمل ، لكنه عندما يجب أن أكون صادقاً معهم وأقول لهم إننا لا نستطيع مساعدتهم ، فلا اسكت عن الحقيقة.
يأتى العديد من اللاجئين إلينا مفعمين بالأمل ، ولكني أرى هؤلاء الناس مرة أخرى بعد أيام قليلة وهم قد فقدوا هذا الأمل. فاليوم مثلاً عندما ذهبت لتناول الغداء ، التقيت بامرأة كانت مقيمة في مركز اللاجئين في حي أوفشا كوبل. اشتكت لي أن الشرطة قد اعتقلت خطيبها وتم إرساله الآن إلى المركز الخاص للإقامة المؤقتة للأجانب في قرية بوسمانتس. وقد أوضح لها أنه إذا تزوج هنا يمكنه البقاء ، ولكن هذا لا يجوز أن يحدث بينما يقيم في هذا المركز الذي هو من نوع مغلق ، ويجوز أن يُرفـَض منحه وضع اللاجئ وبالتالي قد يجوز ترحيله إلى العراق.
ما هي ردود الفعل عائلتك وأصدقائك بشأن عملك؟
بسبب النظام الديكتاتوري في إيران لا أستطيع العودة إلى هناك. ومنذ 10 سنوات لم ألتقي بعائلتي. نستمع بعضنا البعض بالهاتف. عندما أخبرت أمي وأبي أنني أصبحت أعمل مع اللاجئين عبرا عن دعمهما. ووجها لي السؤال هل أشعر بالرضاء عن القيام بذلك ، وأكدت لهما أن هذا صحيح في أمر الواقع فعبرا عن سعادتهما بذلك.
ولكن هناك أشخاص يقيمون في نفس مركز اللاجئين الذي أسكن فيه يسألونني عن وظيفتي. فالكثيرون ممن يأتون من بلدان أخرى وليسوا بعنصريين يحملون بعض شعورالتحيز. وقد كانوا يوجهون إليّ السؤال على سبيل المثال “لماذا تعمل مع الأطفال الأفغان؟” وأسألهم بدوري و”لماذا لا؟ فالأطفال هم أطفال بغض النظر عن جنسيتهم. إن اللاجئين هم لاجئون بغض النظر عن البلد الذي يأتون منه. فنحن كلنا بنون آدم”.
هناك أيضا أشخاص من المنظمات تعمل مع اللاجئين الذين لديهم أيضا تحيزات. وقد كانوا يعبرون عن استيائهم من الرائحة في المركز أو من الحقيقة أن اللاجئين قذرون أو ثيابهم قذرة. فكنت عندئذٍ أقول لهم بأن موقفهم هذا غيرمحترم. لأن هؤلاء وحتى قذرون فهم لا يزالون أناس.
ليس من الجيد إظهار مثل هذا الموقف. عندما تعمل مع اللاجئين يجب أن تكون أكثر حرصًا و يكون قلبك ووعيك مفتوحين حيال هؤلاء الناس. في الواقع يكون بعض اللاجئين قذرين. ومع ذلك فهذه مشكلة تربيتهم، والنقص في تعليمهم ، والبيئة التي نشأوا فيها. وأفسر ذلك باختلاف عاداتهم وثقافتهم.
هل تعتقد بأنه يجوز تغيير ذلك؟
نعم! لا يصعب عليّ أن أشرح لهم هذه الأمور. فواجهت مثل هذه الحالة. يأتي العديد من الناس لإجراء المقابلة معهم – وهم ناس طيبون ، لكنهم جاءوا مع الملابس القذرة وغير حلاق. فشرحت لهم أنه عندما يجري المقابلة معهم يجب أن يكونوا نظيفين ومتأنقين لأنه هذه العادات الشائعة في بلغاريا.
في معظم الحالات يتجلى السبب لكون الناس بهذا المظهر في أنه لا أحدا شرح لهم الاختلافات الثقافية وما هو مقبول وما هو غير مقبول. في الدول الأخرى تنظم العديد من دورات التكامل الثقافي. في بلغاريا لم يتم تطوير مثل هذه البرامج بعد.
في إيران وأفغانستان هناك مجتمعات مغلقة جداً ومتدينية كثيراً. ويكون من الطبيعي تماماً أن تبدو بهذا المظهر وأنت تتمشى في الشارع. وهكذا فإن الشباب القادمين من إيران وأفغانستان يأتون هنا بهذه الرؤية والثقافة حيثما هي تبدو غير مقبولة. في إيران مثلاً ، يمكنك الإساءة إلى النساء اللواتي يسرن في الشارع، غير أنه هذا ليس بسلوك طبيعي هنا.
يجب تنظيم في مراكز اللاجئين دورات تثقيفية تعرّف اللاجئين بالتقاليد والثقافة البلغارية وبالنظام المطبق في المجتمع البلغاري.
ما هو الترياق ضد الخوف من الآخر؟
عندما جئت إلى بلغاريا ، وجدت في البداية عملاً كمشغل للآلة. في الشهرين الأولين لم يرغب معظم زملائي في المخالطة معي وكانوا يتجنبوني ولكن بعد ذلك بدأوا في التعرف عليّ وأدركوا أنني لست رجلًا سيئًا.
يحرض العديد من البلغاريين أنفسهم على الاجئين لأنهم يعتقدون أن الدولة تمنحنا المال لإقامتنا وهم يعيشون في فقر. أعتقد أن هناك أيضا مجموعات عنصرية تروج أفكار الكراهية وتخلق صورة سيئة عن اللاجئين. يعتقد الكثيرون أن جميع المهاجرين هم إرهابيون. والحقيقة هي أنه ينبغي النظر إلى اللاجئين كمورد بشري وليس كتهديد.
في بعض الدول الأوروبية يحصل اللاجئون على تعليم جيد ويمكن أن يكونوا مفيدين. إذا كانت للدولة استراتيجية جيدة ، فإن اللاجئين سيكونون في صالح المجتمع وليس العبء له. فإن ألمانيا والسويد أمثلة جيدة في هذا الصدد. لكن ليس لدى معظم الناس معلومات حقيقية وموثوقة حول اللاجئين. ويتم إعلامهم فقط من قبل وسائل الإعلام. تبحث وسائل الإعلام عن الأخبار المثيرة وتتحول إلى أداة دعاية. وتبيع الأخبار المثيرة. هناك الحاجة إلى التعليم في اتجاهين – سواء بالنسبة للسكان المحليين أو اللاجئين.
وفي رأيي يكون وضع اللاجئين في بلغاريا جيد ، لكنه ليس كافيًا. الرعاية والاستراتيجية للاجئين ليست على المستوى الذي هما عليه في ألمانيا وبلدان أوروبا الغربية الأخرى. إذا تستثمر الدولة جهودًا لإنشاء دورات تعليمية جادة في مراكز اللاجئين ، فيجلب ذلك فائدة إضافية. يوفر العديد من المنظمات غير الحكومية التعليم غير الرسمي ، وهو أمر جيد لكن الدولة بحاجة إلى المشاركة. وتحسن الوضع أعداد وتطبيق برامج التكامل المناسبة.
يما يتعلق بما إذا كان المجتمع نفسه يقبل اللاجئين، أستطيع القول إن معظم الناس في بلغاريا طيبون للغاية وأحب مخالطتهم. أولئك الذين يتصرفون بشكل سيئ مع اللاجئين هم مجموعات صغيرة من الناس. وبين اللاجئين هناك أيضا أشخاص يتصرفون بشكل سيئ مع البلغار. على كلا الجانبين هناك أناس مضطربون.
هل هناك قصة شخصية أثارتك كثيراً؟
تثيرني كل قصة اللاجئين. هناك ليال لا أستطيع النوم فيها ، أفكر في قصص هؤلاء الناس. أدرك أن مشاكلهم خطيرة للغاية. تحتاج إلى قلب ووعي مفتوحين. إذ هناك الحاجة من وجود شخصية قوية للقيام بهذه المهمة.
هل عملك مع الأشخاص الذين يبحثون عن الحماية الدولية ويتلقونها غيّر حياتك ؟
لعملي في منظمة “كاريتاس” تأثير إيجابي عليّ. إذ كشف في المجال المهني عن إمكانياتي ومدى معرفتي. علّمني أن استمع إلى الناس وأعطني قوة داخلية، كما تغيير تفكيري عن الحياة.
ماذا يعني بالنسبة لك أن تكون “حر”؟
يكون معنى الحرية شيء مختلف بالنسبة للأناس المختلفين. يعيش مواطنوني في إيران تحت الاحتلال، لذا تعني الحرية بالنسبة لي أن يحترم الناس بعضهم البعض ، ولا أن ينقسموا على أساس الدين أو الأمة وأن يغيب التمييز.
ما هي أمنيتك الكبرى الآن؟
أتمن أن يمنح لي وضع اللاجئ. عادة ينتظر الناس من 3 إلى 6 أشهر الحصول على هذا الوضع ، لكن أمري يختلف عن ذلك إذ أصبحت أنتظرالحصول على الوثائق 20 شهرًا. أمنيتي الكبيرة هي أن تتوقف جميع الحروب في العالم. يجب ألا يكون هناك المزيد من اللاجئين ولا يضطر الناس أن يغادر وطنهم لأن مصير اللاجئين صعب للغاية.