تقول عائلة زفارو من سوريا بأن منظمة “كاريتاس” هي نعمة، ومساعدة، وحب
تبدأ قصة عائلة زفارو من القاميشلي – وهي مدينة في شمال شرق سوريا، تقع بالقرب من الحدود التركية. فإن القرابة من آبار النفط والتربة الخصبة تجعل المدينة مركزاً جذاباً. وبدأ يجتمع فيها العديد من اللاجئين من الحروب في المنطقة أيضاً،،، والمسلمون، والأكراد، والمسيحيون، والأرمن، واليهود – صورة عرقية متنوعة. غير أنه أدت المزاجية المتطرفة والخلافات السياسية في نهاية المطاف إلى نشوب نزاعات متكررة، أخذت الكثير من الضحايا على مر السنين، ومنذ بدء الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، تحولت التفجيرات الانتحارية وتفجيرات الشاحنات في الأماكن المزدحمة في المدينة، واختطاف الركاب من الحافلات إلى الحياة اليومية.
وبالنسبة لعائلة زفارو، أصبحت حارتهم المدمرة، وصعوبة وصول أطفالهم إلى المدرسة ، والخوف المستمر من الانفجارات الجديدة، هي الحجج التي اندرجت في طليعة قائمة الأسباب لمغادرة وطنهم. وكان القرارصعباً لكنه قاطع. وقد سافرت العائلة عام 2015م إلى لبنان، حيث عاشت بعض الوقت في بيروت ومن ثم غادرت إلى تركيا. قضت سنة واحدة في اسطنبول حتى فصل الصيف عام 2016. لحسن الحظ، ربما كان القضاء راضياً بالنسبة لهم – لأن خلال نفس الصيف انفجرت في وسط مدينة القاميشلي شاحنة ودراجة نارية محملتين بالمتفجرات. وقتل اكثر من 50 شخص. ولكنه بقيت عائلة زفارو بعيدة كل البعد عن الصراع، وهي مصممة على مواصلة البحث عن الأمن والحماية في أوروبا. وفي حزيران (يونيه) 2016، وصلوا إلى بلغاريا، وسلموا أنفسهم إلى شرطة الحدود، وأعربوا عن رغبتهم في الإقامة في مخيم للاجئين. وهكذا وجدوا أنفسهم في مدينة هارمانلي، حيث سمعوا عن منظمة “كاريتاس” والدعم الذي تقدمه هذه المنظمة للناس وقعوا في مثل وضعهم.
وقد وجدت العائلة في وجه “كاريتاس” الراحة، واليد الممدودة للمساعدة التي كانوا يعتقدون مفقودة وهم ما زالوا في وطنهم. إن سارينيه وجورج وابنتهما أنجيلينا عاطفيون للغاية. إلى جانب الإمتنان العميق التي تحنه إلى “كاريتاس”، أصبحت سارينيه سعيدة، وهي من أصل أرمني، عندما سمعت عن وجود جالية أرمنية هنا. في الوقت نفسه، قامت بزيارة الكاتدرائية الكاثوليكية في صوفيا. وقد اعترفت بأنها ما فهمت لغة القداس، لكنها وجهت صلاوتها في صمت بلغة قلبها. هاهي ذا قادمة إلى هذا البلد الغريب وتصلي صامتة إلى الله – في الكنيسة الكاثوليكية، أوفي الكنيسة الأرمينية تحت السماء البلغارية، وهي لا تزال لا تعرف مستقبل عائلتها، بل وتأمل،،، وتلقت دعم ومحبة العاملين في “كاريتاس” الذين اجتازواهم عبر الفوضى الإدارية خلال إمتداد الأشهر الطويلة التي بقيوا في إنتظار اصدار القرار بشأن منحهم وضع الحماية.
تكون سارينيه سعيدة بالأيام تمضي في اطمئنام إذ أصبحت تدرك أن سلامة وصحة عائلتها في المقام الأول. انها سعيدة أيضاً بوجود من يقوم بدعمهم،،، ولكنه في نفس الوقت نلاحظ الألم والتعب في عينيها:” لقد بدأ أقاربنا وجيراننا جميعا واحداً تلو الآخ رفي المغادرة. وفي كلال لحظة كنا نشعر بالخوف – ما إذا يكون هناك انفجارجديد أو شيء آخر… وعلى بعد شارعين قد تم وضع حرس مسلح. كنا جميعاً نشعر برعب. لقد وصلنا إلى نقطة لم يعد بإمكاننا العيش بعد بهذه الطريقة. وكنا نأمل في أن تتحسن الأمور وأن تنتهي الحرب، ولكنه لم يحدث ذلك أبدا. لقد بدأنا ننهارنفسياً من الوضع القمعي. وأثر ذلك على ابنتنا بأسوأ طريقة. هذا ما أجبرنا على مغادرة سوريا “.
كان جورج في وطنه تاجراً – كان لديه متجر لبيع أقمشة، وقبل بضعة سنوات كان يبيع ملابس الأطفال. وهو شخص مؤنس ولطيف. يجيد اللغة الكردية والأرمنية والإيطالية. وعاش فترة قصيرة من الزمن في كندا والولايات المتحدة، حيث تعلم الإنجليزية والفرنسية قليلا. ويصف زوجته كامرأة مهتمة ببيتها وأسرتها بكثيراً. وكانت علاقاتهما مليئة بالحب والتفاهم المتبادل وروح الفكاهة مما يدل على أن للأسرة قدرة على التغلب على الصعوبات واجتيازها سوية.
تقول سارينيه بأنه بمجرد وصولهم إلى هنا بدأوا في تعلم اللغة البلغارية حيث التحقوا بالدورات المنظمة من قبل “كاريتاس صوفيا” لأنها تدرك الحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة ومزاولة العمل لمساعدة أسرتها: ” أولاً وقبل كل شيء، أريد أن أتعافى نفسياً مما عانيته ومن مغادرة المنزل، ثم – آمل أن أتحسن جسدياً وسوف أكون مستعدة لبدء حياتي مرة أخرى. ما زلت لا أعرف اللغة جيداً… إنها لغة صعبة جداً. تقوم منظمة “كاريتاس” بمساعدتنا. أنه لخير أن تعرف وتحس أن هناك من يساعدك. هذا يجعلك تستريح نفسياً وتشعر بأنك لست وحيداً. و عندما زرنا مقر منظمة “كاريتاس صوفيا” وتحدثنا مع الناس العاملين فيه، شعرنا أنفسنا مرتاحين. هذا بلد غريب بالنسبة لنا ، ولذا تصبح المساعدة التي تقدمها المنظمة مهمة جدا. وقبل ذلك…كان وضعنا كرباً …كنت أفرج عن بؤسي بالبكاء… لم نكن نعرف أحداً…لم نكن نعرف من الذي يجب أن نتوجه إليه. والآن أصبح الوضع مختلفاً وأفضل بكثير. وأشكر الله على المساعدة تقدمها “كاريتاس” لنا وتستمر في عوننا حتى نحصل على االحماية، لأنه وبدون أن نتلقى الحماية نبقى بدون العمل “.
وقد حضر جورج الدروس في اللغة البلغارية أيضاً والآن أصبح يسلم بالبلغارية بثقة متزايدة وتعلَّم بعض العبارات الأساسية، أما ابنتهما أنجيلينا فتوزع وقتها بين دروس اللغة ودورات الفنون الخاصة بالنساء التي ينظمها مركز “سفيتا آنا” لاندماج اللاجئين والمهاجرين التابع لمنظمة “كاريتاس صوفيا”. تكون أنشطة “كاريتاس” موجهة إلى تلبية احتياجات الأسرة في مجال التكامل وإقامة الاتصالات الاجتماعية وتلقي المعرفة والمهارات اللازمة لبدء حياتها مرة أخرى في بلغاريا. ورداً على السؤال عما يحلمون به في الوقت الراهن، يجيب أفراد الأسرة قائلين:
أنجيلينا: ” أريد بلدي أن يعيد تعميره ويصبح من الجديد كما أتذكره. آمل أن أستمر في التعليم وأحلم أن أمارس هوايتي من الجديد وهي العزف على الكمان. أريد أن أطور وأن أعيش مثل أي شخص آخر في هذا البلد.”
سارينيه:” أحلم في الوقت الحاضر بالاستقرار هنا، مع عائلتي… ابنتي، و ابني وعائلته،،، كلنا معا. ونبدأ نعيش هنا وننجح”
يبدو وكأن جزءاً من جورج لم يغادر سوريا أبدا. وكثيراً ما يفكر في منزله، ومحله التجاري الصغير لبيع الأقمشةه، وجيرانه، وماضيه كمدرس في المدرسة الدينية، وفي تلاميذه الذين يفتخر بهم، وفي والده الراحل: ” كان والدي يخاطبني قائلاً لي:” سوف تحترم الكبار في السن، وسوف تقول الحقيقة فقط، وسوف تكون رجلا طيبا! “، بهذه الطريقة كان يتحدث معي وأنا فخور جداً به وبما علمني. وشخصياً كنت مدرس اللغة الإنجليزية في المدرسة الدينية التابعة للكنيسة في مسقط رأسي حيث كنت عمل كمتطوع. وقدأصبح أحد طلابي كاهناً في لبنان. أنا فخور كثيراً به. ”
يبدو وكأن الخير والمساعدة يسترجعان إلى جورج وعائلته – من خلال يد “كاريتاس” الممدودة. ورداً على السؤال عما تمثل منظمة “كاريتاس” بالنسبة لهم تجيب أسرة زفارو بالإجماع قائلة: ” بارك الله فيكم! بالنسبة لنا منظمة “كاريتاس” هي نعمة ومساعدة، ونحن ممتنون لها ” – هذا ما وأدلت سارينيه به، بينما أضاف جورج قائلاً: ” كاريتاس” تعني السلام ومساعدة الناس في ورطة نقيم مساعدتها وسنكون دائما ممنونين لذلك”
والآن تريد أسرة زفارو أن تنسى الذكريات المؤلمة من الماضي وتمضي إلى الأمام: “نريد أن نتعلم أشياء جديدة، نريد أن نعمل، ونعيش كمواطنين عاديين. لا يمكننا البقاء بعيداً عن الحياة ” – هذا ما قالته سارينيه